MAFFIA
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التعاطي مع الزمن

اذهب الى الأسفل

التعاطي مع الزمن Empty التعاطي مع الزمن

مُساهمة  غدآ تتفتح الزهور الخميس يناير 20, 2011 5:54 am

اختلفت الشعوب والأمم في طريقة تعاطيها مع الزمن، وبما أن المنظومات الفكرية والثقافية والاجتماعية ليست هي إلاّ ترجمة فعلية لواقع الزمن، الذي يشكل المرآة العاكسة للمفاهيم والمعتقدات، نجد أن بعض الشعوب أضفت حللاً من القداسة على بعض الأزمان، في حين أنها تطيّرت من بعضها الآخر، وتركت ثالثة ما تبقى منها في دائرة المباح. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن عمليات التداخل بين الشعوب والأمم ونتيجة للتراكمات الزمنية، جعلت هذه التعبيرات تأخذ أشكالاً متعددة وأنماطاً مغايرة لمنظومة القيم الأصيلة، وهذا ما جعل من الصعوبة بمكان التمييز من قبل شرائح كبيرة من المجتمعات، بين الأصيل والدخيل، وربما انعكس ذلك على طبيعة المعتقد الديني، ما قد يشكل انحرافاً عن الفهم الحقيقي لجوهر الدين. ولفض الاشتباك الحاصل بالنسبة لمفردة الزمن، وما تشكله من إطار حاضن لمنظومة القيم، ومن منطلق السعي للكشف عن الدخيل في صلب المعتقد الديني والفكري، كان لا بد من تسليط الضوء على هذه الإشكاليات، واستكشاف رأي سماحة العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله القرآنية، في تحديد ماهية الزمن، وكيفية التعاطي معه نهجاً وأسلوباً، وما إلى ذلك.
الزمن يمثل وحدة في الكون:
لا يقيد سماحة السيِّد الزمن بزاوية محدَّدة، بل ينطلق به من رؤيته الكونية، التي لا بد للإنسان من أن يتفاعل معها، حيث يقول:
"إن البدايات التقليدية للزمن، أو النهايات، لا تمثل شيئاً في معنى حركة الإنسان بشكل دقيق، إلا أن ما يفكر فيه الإنسان، من أن تجدد الزمن يفرض عليه أن يجدّد نفسه في ما يفكر إذا استهلك فكرة، أو في ما يعيش من واقع إذا كان بحاجة لأن يصححه أو يعود إليه، لأن الزمن يمثل وحدة في الكون، فليس هناك زمن أفضل من زمن في طبيعته في النظام الكوني، لهذا، أن نتحدث عن أول قرنٍ أو أول ألفية، فهذا حديث لا يعني شيئاً في الخصوصية، بل كل ما هناك، أن النظرية الإسلامية، هي أن يبقى الإنسان في حالة تصاعدية نحو الأعلى في كل حركة للزمن في عمره"(1).
لنملأ الزمن بالحق:
والزمن عند سماحته ليس مجرد ثوان معدودات، أو أيام تمضي، إنما للزمن وظيفة تدخل في عمق الأحاسيس الإنسانية، وهو دعوة لإنتاج الخير والفضيلة، وهذا لا يتأتى إلاّ عن طريق ملئه بالخير والحق، وبما ينفع الناس، حيث يقول:
"الزّمن هو عمرنا؛ عمر الشخص وعمر الأمّة، لذلك، علينا في بدايات الزمن أن نفكر في مسؤوليتنا أمام الله عن هذا الزمن، الذي أراد الله لنا أن نملأه بالحق والخير والعدل وبما ينفع الناس، لا أن نجعل بداياته فرصة للغيبوبة عن الوعي، كما يفعل بعض الناس، الذين يبدأون سنتهم بالمسكر"(2).
الفرح الواعي المسؤول:
وربما يحاول البعض النأي بموضوع الزمن عن جادة الخير والحق، وشدّه باتجاه أجواء الفسق والفجور، وذلك في تفسيرهم الخاطئ لمعنى الفرح. في هذا الصدد، لا ينكر سماحته على الإنسان الفرح، ولكنه يصوب الأمور، ويدعو إلى الفرح الواعي المسؤول، الذي يحمي شخصية الإنسان، وينهى عن الفرح الماجن الذي يفقد الإنسان عقله، فيقول:
"إن علينا أن نعطي الفرح جرعةً من العقل والوعي، لأن إعطاءه جرعةً من الجنون، يجعله مجرد تقلصات في المشاعر والأحاسيس"(3)، "خاصة وأن الله خلق للإنسان عقلاً وجعله مسؤولاً عن عمله، فلا يمكن أن يرخِّص له في أن يصادر عقله ولو للحظة، عن طريق أي شيء يجعله في غيبوبة عن عقله وعن وعيه. ولذلك نرى أن كل الرسالات، كما ورد في حديث الأئمة(ع)، قالت بتحريم الخمر. لذلك، لا بد للإنسان من أن يكون واعياً في كل بدايات الزمن، حتى يشعر عندما تمرّ عليه سنة، أنه قد مشى في هذه السنة خطوة نحو الله، لا أن تبعده عنه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} (الحشر:18)، أن تفكر وأنت في ليلة رأس السنة الميلادية أو الهجرية أو رأس سنتك، هل ربحت فيها لآخرتك أم لم تربح"(4).
مراجعة الماضي
ولذلك، يدعو سماحته إلى ضرورة إجراء مراجعة نقدية ومسؤولة من قبل الإنسان لما مرّ عليه من زمن، والاستفادة من المثالب التي وقع فيها، وذلك قوله:
"إن معنى أن تمضي سنةٌ من عمرنا، هو أن جزءاً من هذا العمر عشنا مسؤوليته ونتحمّل مسؤوليته، لأن الله تعالى سوف يحاسبنا على كلِّ ما أسلفناه في هذه السنة، ولأنّ ما عملناه في تلك السنة، سوف ينعكس سلباً أو إيجاباً على المستقبل الذي يُصنع في الماضي والحاضر، ولذلك، لا بدّ لنا من أن نجلس للتأمل بما سلف من أعمالنا، وهل نستطيع التخفّف من سلبياتها والتكثير من إيجابياتها؟! وعندما تبدأ سنة جديدة، ما هي مخططاتك لهذه السنة؟! ما هي مخططاتك بين يدي الله، ومخطّطاتك لرعاية عائلتك، وللانفتاح على حياتك الاقتصادية والثقافية والاجتماعية؟! إن مسألة ذهاب سنة ومجيء سنة يمثل قراراً من أخطر القرارات، لأنها جزء من عمرنا، ولذلك لا ينبغي لنا أن ندخل الزمن من دون وعي وتأمل وتفكير، وأن نخرج من الزمن من دون حساب"(5).
"وهكذا على صعيد الأمة، يجب أن ننظر نظرة تأمل في الزمن الماضي، ونقوم بمراجعة دقيقة لأوضاعها وأحوالها، وما تعانيه من مشاكل، وما يعصف بها من أزمات، لدراسة السبل والخطط الآيلة لحلحلة هذه المشاكل وطريقة معالجتها"(6).
قيمة الزمن بالعمل:
مما تقدم، نجد أن الزمن بحد ذاته وحدة لا تتجزأ، وليس من خصوصية لهذا اليوم أو ذاك، وإنما نوعية العمل هي التي تعطي للزمن قيمته، وهذا ما يشير إليه سماحته في قوله:
"بداية اليوم كبداية الأسبوع وبداية الشهر والسنة والقرن، وقيمة الإنسان عمله {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} (التوبة:105)، {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (الإسراء:14). ما نأخذه من هذه الدنيا، مهما طال العمر أو قصر، هو العمل، فلنربِّ أنفسنا وأهلنا وأولادنا على أن تكون بدايات السنة أو نهاياتها فرصةً للتأمل والتفكر. يقال إن المصارف تأخذ إجازة في أواخر السنة عدة أيام حتى تحدد أرباحها وخسائرها وتعد ميزانيتها للسنة القادمة، فلنفعل ذلك، بحيث نحدد أرباحنا وخسائرنا مع الله، وفي علاقاتنا الاجتماعية والسياسية، بأن نضع ميزانيتنا التي هي خطتنا العملية للسنة القادمة، لأن مسألة التوبة، هي أن تندم على ما مضى، وأن تخطط للمستقبل في أن لا يكون مستقبل ذنب أو سوء"(7).
الصوت الصاخب: مظهر تخلف
وبما أن هناك بعض السلوكيات التي لا غنى للإنسان عن القيام بها للتعبير عن فرحه في مناسبةٍ ما، ولا سيما في أعياد رأس السنة، يلفت سماحته إلى ضرورة الاحتفال بمثل هذه المناسبات بطريقة حضارية راقية، بعيداً عن أجواء الصخب والمفرقعات، وما شابههما من وسائل، حيث يقول:
"هناك نقطة أشرت إليها أكثر من مرة، وهي عادة المفرقعات، التي هي مظهر تخلّف ووحشية، لأنها تخيف الأطفال وتثير الضجيج... ما فلسفة هذه العادة؟ إن الله حدثنا عن الصوت الصاخب بقوله تعالى: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} (لقمان:19)، وذلك يشمل صوت الراديو والتلفزيون والمفرقعات والرصاص... الحضارة هي أسلوبك في التعامل مع البيئة ومع الناس ومع الحياة، فكلما كان أسلوبك أسلوباً ينسجم مع ما يصلح الناس، كلما كنت متحضّراً أكثر. لذلك أرجو أن نعمل جميعاً على استنكار هذه العادة من أنفسنا ومن أولادنا، وأن ننصح هؤلاء الذين يتاجرون بهذه المفرقعات، بأن هذه التجارة تسيء إلى مجتمعهم، وأن ما يحصلون عليه من ربحٍ، لا يساوي الخسارة التي تلحق بالمجتمع بسبب ذلك"(Cool.
تحديد يوم القيامة
وربما يذهب سماحته إلى أبعد من ذلك، في دعوته إلى ضرورة الإقلاع عن الخرافات والابتعاد عنها، وعدم الرضوخ لها، بل يدعو إلى مواجهتها بكافة الوسائل والسبل، والسير في الطريق القويم الذي رسمه الله للناس، في تحمل المسؤولية والانفتاح على الله، حيث يقول:
"ليس هناك أي نص قرآني أو نبوي يؤرخ بالتحديد ليوم القيامة، بل إنه يطلقها تجاه امتداد الزمن في علم الله الذي احتفظ به لنفسه، فهو من غيب الله الذي لم يطلع عليه أحداً. لذا، فإن أي حديث باسم الدين في تحديد اليوم أو السنة، هو حديث لا قيمة له، ولا سيما إذا درسنا أنّ الحديث عن الألفيات عندما يتحرك في الوجدان الشعبي، فإنه لا ينحصر بالألفيات التي تمثل ولادة السيد المسيح (عليه السلام)، لأن هناك الألفيات في التاريخ اليهودي، وهناك الألفيات في التاريخ الإسلامي، وقد نواجه ألفيات على مستوى الملايين في الاكتشافات العلمية. فأي ألفية هي الألفية التي نحددها؟ ثمة كلمة تتداول في الواقع الشعبي، قد يتصورها البعض نصاً دينياً، وهي كلمة "تؤلف ولا تؤلفان" التي تعني التأليف بين القلوب وبين الأشخاص. ومن هما اللذان تؤلفان؟
لذا، فإننا نتوجه إلى كل الوجدان الشعبي، بألا يسقط تلك التحديات التي لا أساس لها، بل أن يستقبل الألف الثالث كما استقبل الناس ماضياً الألف الثاني والألف الأول، من موقع إيمانهم بالله وانفتاحهم عليه، ومن موقع مسؤوليتهم أمامه، باعتبار أن الحياة التي يعيشونها هي ساحة المسؤولية، ليواجهوا في يوم القيامة من خلال ذلك، نتائج المسؤولية، على هدى قوله تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه} (الانشقاق:6)، وقوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرةً شراً يره} (الزلزلة:7-Cool. علينا أن نملأ الحياة بالمحبة في مواجهة البغض، وبالرحمة في مواجهة القسوة، وبالعدل في مواجهة الظلم، وبالفرح الروحي في مواجهة الذين يفرضون الحزن والألم على الناس.
إن قضية يوم القيامة هي قضية النهاية التي يحددها الله، أما قضيتنا، فهي كيف نحوّل الأرض إلى قيامة إنسانية جديدة يقوم فيها الإنسان من تخلفه إلى موقع التقدم، ومن وحشيته إلى موقع إنسانيته، ومن جهله إلى موقع علمه. أن ننتج إنسانيتنا من جديد في كل مرحلة من مراحل الزمن، وأن نتوحَّد بالله بدلاً من أن ننقسم عليه، وأن ننطلق من وحدة الكون إلى وحدة الله، ومن وحدة الخالق إلى وحدة المخلوق أمام الخالق. الحياة حلوة، وعلينا ألا نشوه هذا الجمال بما يتحرك به الشيطان في عقولنا لينتج قبح الفكر، وفي قلوبنا لينتج قبح العاطفة، وفي حياتنا لينتج قبح الواقع.
وفي نهاية المطاف، أمام السؤال الكبير، نقرأ جوابه في الآية الكريمة: {يسألونك عن الساعة أيّان مرساها* فيما أنت من ذكراها* إلى ربك منتهاها* إنما أنت منذر من يخشاها* كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} (النازعات:42-46). إنها ساعة المفاجأة وليست ساعة التحديد"(9).



غدآ تتفتح الزهور
غدآ تتفتح الزهور

عدد المساهمات : 940
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 05/01/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى