MAFFIA
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مسؤولية الدعوة إلى الله

اذهب الى الأسفل

مسؤولية الدعوة إلى الله  Empty مسؤولية الدعوة إلى الله

مُساهمة  غدآ تتفتح الزهور الخميس يناير 20, 2011 5:53 am

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع أنبياء الله والمرسلين، السلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
منهج الدعوة
ما هو المنهج الإسلاميّ الذي ينطلق فيه المسلم الداعية إلى العالم من أجل أن يدعوهم إلى الإسلام؟ وما هو الأسلوب؟ وكيف يخطط ليدخل إلى عقول الناس وإلى قلوبهم، هل بالعنف أم بالرّفق؟ يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {ولتكن منكم أمَّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}(آل عمران/104).
فالله سبحانه وتعالى يدعو المسلمين إلى أن يكون منهم أمة، يحملون هذه الرسالة، وهي رسالة الدعوة إلى الخير، بحيث إنَّ هؤلاء الجماعة ليس لهم عدد معيَّن، بل يتعدَّدون حسب الحاجة. فربما يصلون إلى المئات كما في بعض المناطق، وقد يصلون إلى الآلاف وإلى الملايين على مستوى العالم، لأن الدعوة الإسلامية في كلِّ مضامينها وفي كل خطوطها، هي دعوة عالمية، والله سبحانه وتعالى أراد للرسول(ص) أن يقول: {يا أيُّها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً}(الأعراف/185)، فهو رسول إلى النَّاس كلِّهم وليس رسولاً لجماعة دون جماعة.
وقد أكَّد الله ذلك في آية أخرى في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين}(الأنبياء/107) حيث أرسل الله الرَّسول برسالته إلى العالمين جميعاً، لذلك لا بدَّ للمسلمين من أن ينطلقوا من حيث انطلق الرسول(ص)، وبذلك يقول تعالى: {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير}، وهذا أمر واجب، لأنّ كلمة "لتكن" توحي بالإلزام والوجوب والمسؤولية. فهو خطاب موجَّه إلى كلِّ المسلمين على نحو الخطاب الكفائي الذي إذا قام به البعض سقط عن الكلّ، وإذا تركه الكل أثموا جميعاً. وهذا المعنى قد يختلف بين شخص وآخر، فقد يكون عند شخص ثقافة عشر آيات، فالواجب عليه أن يُبلّغها، وقد يكون عند آخر ثقافة عشرين مسألة فقهية، فإن الواجب عليه أيضاً أن يُبلّغها، {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، وكلمة "الخير" هنا تشمل كلَّ ما يمثِّله الإسلام في خطوطه العقيدية والشرعية والأخلاقية، وكل الجوانب العامة التي تتصل بالخير كله.
{ويأمرون بالمعروف}، أي يندفعون إلى المجتمع من أجل تغييره، فإذا ترك المجتمع ما أراده الله منه في سبيل بنائه على أسس القيم الروحية والأخلاقية، وإذا ترك الناس العمل بالمعروف، فلا بد أن تندفع جماعة من داخل المجتمع، قلّت أو كثرت، من أجل أن تأمر بالمعروف لتنشر المعروف في العالم، و"المعروف" هو كل عملٍ من الأعمال التي ترفع مستوى الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية والسياسة والاقتصادية وما إلى ذلك.
{وينهون عن المنكر}، والمنكر هو كلُّ عملٍ يُسقط الإنسان في إنسانيته، ويبتعد به عن مواطن الاستقرار والتوازن والسلام في الحياة، {وأولئك هم المفلحون}، الذين يحصلون على الفلاح في الدّنيا والآخرة.
في مواجهة الكافرين:
ثم يحدِّثنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في خطابه للرسول(ص)، كيف يواجه عمليَّة التّكذيب التي يبادره بها المشركون والكافرون والجاحدون، وأنّ الله تعالى أمر رسوله(ص) وأمر المسلمين من خلال رسوله أن يكون ردُّهم ردَّاً سليماً إنسانياً، ولا يكون ردَّة فعل عنيفة: {وإن كذَّبوك} فإذا دعوتهم إلى الإسلام وإلى التوحيد ولم يقبلوا منك وأنكروا رسالتك، {فقل _ بعد أن تستنفد كل الوسائل في سبيل دعوتهم وفي سبيل إقناعهم _ لي عمليَّ ولكم عملكم}، أنا أؤمن بهذا الخطّ وبهذا المنهج، وأحمل هذه الدعوة وألتزم بها، ولكن أنتم لم تقبلوا ذلك والتزمتم بخطِّ الشرك في مقابل التوحيد، وخطِّ الخرافة في مقابل الحقيقة وبسبب قناعتكم ترفضون الدخول في حوار موضوعي عقلاني، {أنتم بريئون مما أعمل}، لأنّ ما أعمله أنا أتحمل مسؤوليته، {وأنا بريء مما تعملون}(يونس/41) وأنتم تتحمَّلون مسؤولية عملكم.
هذا الأسلوب القرآني يعالج أولئك الذين تدعوهم بكلِّ الوسائل التي تقنعهم ولا يقبلون منك، فليس لك أن تبادرهم بالعنف، ولكن قل لهم هذا فكركم وأنتم تتحمَّلون مسؤوليته، وأنا أتحمل مسؤولية عملي.
أسلوب الحكمة:
وهناك آية ثالثة تعالج الخط العام الذي نسلكه عندما نريد أن نضع منهجاً للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في كل موقع من العالم، سواء في العالم العربي أو غير العربي، أو العالم المثقف وغير المثقف، أو في عالم الشّرك والضلال وغيره.
يقول تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة}(النحل/125)، والحكمة بحسب معناها اللّغويّ وضع الشيء في موضعه، وهو أن تضع الكلمة المناسبة في الموقع المناسب، للشّخص المناسب، للأسلوب المناسب، وأن تعالج الأمور بحسب حاجتها وطبيعتها وحسب العناصر التي يمكن أن تؤدِّي إلى النتائج الإيجابية، قال تعالى عن لقمان: {ولقد آتينا لقمان الحكمة}(لقمان/12) فالله تعالى يحدِّثنا عن لقمان أنّه كان إنساناً حكيماً، أي أنّه كان ينظر إلى الأمور من خلال عناصرها الواقعية الحقيقية التي تنفذ إلى طبيعة الأشياء. فعلى الإنسان أن يكون حكيماً في إقناع الآخرين أو في الدّعوة إلى الله تعالى، فربما يبتلى بزوجة عندها انحراف فكري أو انحراف عملي، أو قد تبتلى الزوجة بزوج عنده انحراف فكريّ أو عملي، أو قد يبتلى بأولاد عندهم مثل هذا الانحراف، فيبتعدون عن الخط المستقيم، فعليه أن لا يستعمل الأساليب الانفعالية مستغلاً سيطرته أو مستغلاً موقعه المميز ضد الطرف الآخر، لأن العنف قد يُخضع الجسد، ولكنه لا يمكن أن يُخضع العقل، لأن العقل فوق سيطرة الناس كلِّهم، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى للنبي(ص): {أفأنت تكره النَّاس حتى يكونوا مؤمنين}(يونس/99)، لا تستطيع ذلك، لأنّ عقل الآخر ليس في يدك، {فذكِّر إنما أنت مذكّر* لست عليهم بمسيطر}(الغاشية/21-22)، {وقل الحق من ربكم} واتركهم {من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(الكهف/29)، {لا إكراه في الدِّين قد تبيَّن الرُّشد من الغيِّ}(البقرة/256)، فقد بيّن طريق الرُّشد وميَّزه عن طريق الغيّ، وعلى الإنسان أن يختار بينهما.
لذلك، فإنّ العنف والتهديد والوعيد لا يؤدي إلى نتيجة، لأنَّ مسألة النفاذ إلى عقل الآخر تستدعي امتلاك الحكمة التي يستطيع من خلالها الداعية إقناع الآخر بما يريد أن يدعوه إليه، وذلك عن طريق دراسة الأسلوب المناسب للخطاب معه، والّذي يمكن من خلاله إقناعه.
وهذا ليس فقط في الجوانب الدينية، بل هو أيضاً في الجوانب السياسية الاجتماعية، فعندما تريد أن تقنع إنساناً بفكرة، عليك أن تعرف كيف تحرِّك الفكرة لتصل إلى عقله، وكما يحتاج الإنسان إلى مهندسين يهندسون له الطرقات أو يعمِّرون البيوت بأساليب وأنماط دقيقة من أجل الوصول إلى هدف معين، فعلى الداعية أيضاً أن يكون مهندساً دقيقاً في نفاذه إلى عقل الآخر.
والقرآن الكريم يقول: {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن}(الإسراء/53)، فهناك كلمة قد توصل الفكرة إلى العقل والقلب بسرعة، وهناك كلمة بالمعنى نفسه، ولكنّها تقال بأسلوب مختلف، فلا تصل.
{ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة}، وهذه الحكمة يحتاجها الإنسان في كلِّ أموره، الحكمة في اختيار حياته الزوجية رجلاً كان أو امرأة، أو في المسألة التجارية، أو في المسألة السياسية والاجتماعية، ليضع الشيء في موضعه، {والموعظة الحسنة}، الموعظة الّتي تنطلق من الحالة التي تليّن القلب وتفتحه، بحيث عندما تطلق يستوعبها قلبه وتستوعبها مشاعره وأحاسيسه ليتلقفها عقله في هذا المجال.
{وجادلهم بالّتي هي أحسن} وذلك عندما يلتقي بالنَّاس الآخرين الذين يحملون فكراً آخر، سواءً كان فكراً دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً، أن يعرض وجهة نظره بالأسلوب الأفضل والجوّ الأحسن، ما يجعل هذا الإنسان يتلقَّف الفكرة ويتقبّلها. ففي مسألة الصّراع الفكريّ والحوار الفكريّ، ليست المسألة حرب بين الإنسان والآخر المختلف معه في الفكر، وإنما هي مسألة فكر يواجه فكراً، فكلُّ طرف يحاول أن يجمع كلَّ العناصر التي تعطي فكره القوَّة بالطريقة الأفضل وبالأسلوب الأفضل ويطلقها، وهكذا، حتى يصلوا إلى النتيجة. وهذه هي مسؤولية الإنسان، وليست مسؤوليته أن يهتدي فلان أو لا يهتدي، لأن مسألة الهداية تخضع لاختيار الآخر بعد تقديم الفكرة إليه، وبذلك يقول تعالى: {إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}، {ليس عليك هداهم ولكنّ إن الله يهدي من يشاء}(البقرة/272).
وهذا أيها الأحبة، الأسلوب القرآني الإسلامي الذي لا بدَّ لنا أن نستعمله في حياتنا العائلية، في ما نختلف فيه، أو في ما نريد أن ندعو له في حياتنا الاجتماعية والدينية والسياسية، لأنَّ الإنسان لا بدَّ له أن يعيش مع الآخر في إنسانيته، كما أنّ العنف لا يبني فكراً أو مجتمعاً، بينما الرفق هو الذي يؤدِّي إلى النتائج الجيدة.
والحمد لله ربِّ العالمين، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غدآ تتفتح الزهور
غدآ تتفتح الزهور

عدد المساهمات : 940
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 05/01/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى