MAFFIA
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجدال في طلب الحقيقة

اذهب الى الأسفل

الجدال في طلب الحقيقة Empty الجدال في طلب الحقيقة

مُساهمة  غدآ تتفتح الزهور الخميس يناير 20, 2011 3:52 am

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
أكَّد القرآن الكريم من خلال الآيات القرآنية أن الجدال يفرض على الإنسان المجادل الذي يدخل مع الآخرين في حوار فكري أو سياسي أو اجتماعي يبيّن من خلاله وجهة نظره، أن يستمع إلى وجهة نظر الإنسان الآخر، بحيث يكون الجدال مشاركةً من الطرفين للوصول إلى الحقيقة، حتى إنّه إذا كان مؤمناً بفكرة معيَّنة، فعليه في حالة الجدال أن لا يبادر ليحكم على الآخر بالخطأ أو بالكفر أو بالضلال، بل يحاول أن يكون دوره دور الطالب للحقيقة، بحيث يوحي للآخر بأن هناك حقيقة ضائعة بيننا، فلنعمل على أساس أن نترافق لتعرض أنت وجهة نظرك ولأعرض أنا وجهة نظري التي قد تكون أيضاً خطأً أو صواباً، ليكون الحوار رحلةً مشتركةً بيننا من أجل اكتشاف الحقيقة، وحتى لو كنت مؤمناً بالقضية التي تحاور فيها، فلا تقل الحق معي والباطل معك.
وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في ما تحدَّث به عن أسلوب النبي(ص) في حواره مع الكافرين في الآية الكريمة: {وإنَّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}(سبأ/24). فظاهر الآية أنه يقول للكافرين قد أكون أنا على هدى في ما أؤمن به، وقد أكون على ضلال، وربما تكونون أنتم على هدى أو على ضلال. فإذاً تعالوا لنتحاور في ما بيننا لنتعرَّف ما هي الحقيقة الضائعة بيننا. والسؤال الذي يُطرَحُ هنا: هل إنَّ النبي(ص) كان شاكَّاً بنفسه، وهو الذي جاء بالصدق وصدَّق به؟! والجواب: لا، ولكن حالة الحوار، هي الحالة التي تفترض أن لا تتعاطى مع الآخر بالعنف والإثارة، بل أن تنطلق بالأسلوب الأحسن، {ولا تستوي الحسنة ولا السيّئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم}(فصِّلت/34). استعمل الأسلوب الذي تستطيع أن تدخل فيه إلى عمق عقل الإنسان الآخر وإلى قلبه {وجادلهم بالتي هي أحسن}(النحل/125)، {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}.
هذا هو الأسلوب الإسلامي في الجدال، ولكن الله يحدثنا عن بعض الناس المعاندين الذين همهم، وهم من أهل الباطل، أن يسقطوا الحق بكلِّ الوسائل، حتى بوسائل السباب والشتائم والكذب، ويحاولون أن يدحضوا الحقّ بالباطل، وذلك أنّهم عندما يدخلون في حالة الجدال، فإنهم يأتون بكلمات الباطل لتكون حجّةً لهم، ويكذبون، ويحرِّفون الكلام عن مواضعه، ويحاولون أن يدخلوا مع أهل الحق بالوسائل غير الإنسانية وغير الحضارية وغير الثقافية، بل يستحضرون كلَّ ما عندهم من الجهل في هذا المجال: {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحقَّ واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً} (الكهف/56)، أي أنهم حاولوا أن يستخدموا أسلوب الهزء والسخرية في حال الجدل الدائر بينهم وبين المؤمنين، وهذا أمر مرفوض في الإسلام حتى من قبل المسلمين مع من يختلفون عنهم في المذهب.
يُنقل أن الإمام الصادق(ع) جاءه شخص من أهل الشام يطلب المناظرة في مسألة إمامة أهل البيت(ع)، وكان تلامذة الإمام الصادق حاضرين في المجلس، فطلب منهم الإمام(ع) أن يجادلوه، فانطلق كل واحد منهم في موضوع من موضوعات الجدال، وبعد أن انتهوا من الجدال والحوار، بدأ الإمام(ع) يوجه نقده إليهم، فناقش كل واحدٍ في أسلوبه في الحوار، وقال لبعضهم إنك أخذته بالحق والباطل، وقليل من الحق يكفي عن كثير من الباطل، أي أنت عندما ناقشت هذا الرجل، أدخلت في النقاش بعض الأشياء التي لا تتناسب مع الحق، كما أدخلت بعض الأشياء التي تتناسب مع الحق، وعليك عندما تجادل شخصاً أن تجادله بالحق ولا تدخل الباطل في نقاشك حتى لو أدى ذلك إلى التغلّب عليه، لأن المسألة ليست أن نتغلّب على الخصم، بل أن نهديه، وطريقة الهداية له هي أن نرشده إلى لحق، سواء في أصل الفكرة أو في الأسلوب. لذلك، يريد الله تعالى أن تكون وسائلنا التي توصلنا إلى الحق هي وسائل حقّ، كما يريدنا أن نحرك الحق في الفكرة التي نريد أن نقنع بها الآخرين، ليكون الحق هو الأساس في حوارنا.
ونلاحظ في هذا المجال أيضاً، أنّ القرآن الكريم يؤكد أنَّ على الإنسان أن لا يدخل في جدال أو حوار مع أيِّ شخص إلا إذا كان مثقَّفاً بالفكرة التي يريد أن يجادل بها، فعندما تريد أن تدخل في نقاش أو جدال مع شخص في مسألة سياسية، فلا بد أن تكون لديك خبرة سياسية، حتى تستطيع، إذا اختلفتما في الجانب السياسي، أن تردَّ عليه أو أن تتقبَّل منه، وأن تكون لك خبرة فقهيّة في المسائل الفقهيّة، فإذا لم يكن لديك ثقافية فقهية، فعلى أيِّ أساس تناقش هذا الإنسان في أن الحكم هو هذا أو الحكم هو ذاك مثلاً، أو في مقام التفاضل بين الأشخاص، كما نجد كثيراً من الناس مثلاً يتناقشون أن فلاناً أفضل أو فلاناً أعلم في كلِّ المجالات، وإذا لم يكن عنده خبرة في موازين الأفضلية والأعلمية فكيف يناقش في الموضوع؟! عند ذلك يكون نقاشه نقاش تخبط، ونقاش الجاهل بما يناقش فيه، وبذلك يضطر إلى أن يستعمل الأساليب الغوغائية غير العلمية.
كما ورد في بعض الكلمات المأثورة، وقد تنسب للإمام علي(ع) يقول: «غالبت جاهلاً فغلبني، وغالبت عالماً فغلبته»، لأن العالم عنده قاعدة تستطيع أن تناقشه من خلالها، بأن تقول له القاعدة تقتضي ذلك، أما الجاهل فلا تستطيع أن تمسكه بشيء، لأنه ليس لديه أساسٌ يمكن أن تدخل معه النقاش على أساسه. لذلك نقول لا بد للإنسان عندما يدخل في نقاش مع أيِّ فريق في أي جانب، أن يكون لديه ثقافة ما يناقشه وما يتحاور فيه.
وهذا ما عبَّر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلمَ تحاجون فيما ليس لكم به علم}(آل عمران/66). ها أنتم ناقشتم وجادلتم في أشِياء تملكون علمها، وتملكون الخبرة فيها، ولكن لِمَ تناقشون في ما لا تملكون علمه ولا تملكون خبرته؟! فالإنسان الذي يريد أن يدخل في نقاش جدي في أي مسألة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو فقهية أو عقيدية أو ما إلى ذلك، لا بد له من أن يملك العلم في ذلك.
والله تعالى حدَّثنا عن بعض الناس الذين يدخلون في الجدال حول الله في وجوده وتوحيده أو في صفاته، يقول تعالى: {ومن النَّاس من يجادل في الله بغير علم} من دون أن يكون له هذه الثقافة التي تتيح له أن يجادل أو يناقش الذين يدعون إلى الله ويؤمنون به، هذا الإنسان دوره أن يستمع وليس أن يناقش في ما لا يملك علمه، {ويتبع كل شيطان مريد}(الحجّ/3) أي هذا الذي يسير في حياته خاضعاً للشيطان، المتمرد الذي لا يرتكز على قاعدة، {كتب عليه أنه مَنْ تولاه} من سار وراءه، وأخلص له واتّبعه {فإنه يضلّه} باعتبار أنه ليس لديه ثقافة، بل لديه الثقافة الشيطانية في هذا المجال، {ويهديه إلى عذاب السعير}(الحجّ/4) لأن ذلك يؤدي به إلى الكفر والضلال.
ثم يتحدَّث الله سبحانه وتعالى عن بعض الناس فيقول سبحانه: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم}، لأنه لم يتعلَّم ما يؤكد به مسألة التوحيد ومسألة وجود الله وعدالة الله وما إلى ذلك من الأمور، {ولا هدى} ولم يأخذ بأسباب الهدى التي تدله على الطريق المستقيم الذي يستطيع من خلاله معرفة الله، {ولا كتاب منير}، ولا يعتمد أو يتثقَّف في كتاب يشرق بالحقيقة، {ثاني عطفه}، ثاني عطفه، وهو مظهر من مظاهر التكبير ومظاهر الاعتزاز بالذات، {ليضلَّ عن سبيل الله له في الدنيا خزي}، لأنه يسير في خطِّ الضلال وفي خط الكفر، {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق}(الحجّ/9) وكذلك يقول الله تعالى: {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم}(غافر/35)، بغير حجة آتاهم الله بها.
إذاً نفهم من خلال ذلك، أنه لا بد في مسألة الجدال، في ما يختلف فيه الناس من أفكار وآراء دينية أو سياسية أو اجتماعية أو علمية أو ثقافية، أن لا يدخل الإنسان في مناقشة إلاّ إذا كان يملك ثقافة ذلك الأمر، وإلا كانت المسألة مثلما يقال عنه حوار الطرشان، لأنه لن يكون هناك نوع من التواصل والتكامل في هذا المجال... وللكلام بقية.
غدآ تتفتح الزهور
غدآ تتفتح الزهور

عدد المساهمات : 940
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 05/01/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى