MAFFIA
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجدال في آيات الله

اذهب الى الأسفل

الجدال في آيات الله Empty الجدال في آيات الله

مُساهمة  غدآ تتفتح الزهور الخميس يناير 20, 2011 3:51 am

كنّا نتحدّث حول الجدل في ما أثاره القرآن الكريم حول مختلف المواقف التي يعيشها الإنسان، سواء ما كان المشركون يمارسونه، أو ما كان يعيش بين المؤمنين، أو في موقف الإنسان أمام الله تعالى.
وقد اعتبر القرآن الكريم الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً، فهو الشخصيَّة التي تمارس الجدل كطابعٍ في حياتها في كلِّ الأمور التي يعيشها، والسر في ذلك أن الله خلق الإنسان كمخلوق متحرّك في فكره، ففكر الإنسان هو فكرٌ ينطلق ليواجه كل ما يعرض عليه من قضايا، وما يعيشه من أوضاع، وما يبصره أو يسمعه مما يتحرك في الكون، ما يجعل الإنسان ينطلق في فكرةٍ معينة هنا وفكرة معينة هناك، ليقابله إنسان آخر بفكرة قد تكون مضادَّة لفكرة هذا الإنسان. ومن هنا يتحرك الجدل، سواء في الفكر الذي ينطلق في خط الاستقامة ليصيب الواقع، أو الذي ينطلق في خطِّ الانحراف ليبتعد عن الواقع.
وربما تنطلق مسألة الجدل في ما يعيشه الإنسان من أحاسيس ومشاعر قد تكون متناقضة في النوع الإنساني، أو في ما يعيش في كيانه من غرائز أو ما إلى ذلك، لأنّ الإنسان مخلوق متحرك دائماً، والحركة أساس في كيانه، وقد نجد في كل التاريخ، أنّ مسألة الجدل هي مسألة تاريخية لا يخلو منها عصر ولا يخلو منها شعب.
ولعلَّ الغنى الذي استطاع الإنسان أن يحقّقه في عملية الفكر والقانون والواقع، ينطلق من هذه الجدلية الفطرية _ إذا صحَّ التعبير _ للإنسان، ولذلك يقول تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}(الكهف/54)، فمسألة الجدل هي من المسائل التي تتَّصل بالكيان الإنساني في كلِّ مواقع حياته. وهكذا نلاحظ في ما قصّه القرآن علينا، أنَّ النبي(ص) واجه مع المشركين الكثير من الجدل الذي قد لا يكون مرتكزاً على أساس، بل القضيّة هي أنَّ المشركين عندما كانوا يواجهون ما يطرحه النبي(ص) من فكر توحيدي، أو ما كان يثيره من أحكامٍ شرعيّة لا يجدون جواباً عقلانياً يواجهها، كانوا يلجأوون إلى الجدال من دون أيِّ قاعدة منهم، لتعطيل حركة النبي(ص) وإثارة الضوضاء من حوله هنا وهناك.
ويحدّثنا القرآن الكريم عن بعض هذه النماذج التي كان النبي(ص) يصطدم بها، يقول سبحانه: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كِبرٌ ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير* لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون}(غافر/56-57).
فنلاحظ أنَّ الله سبحانه وتعالى يتحدَّث عن الّذين يدخلون مع النبي(ص) أو مع المؤمنين في جدلٍ حول ما تمثِّله آيات الله في المفهوم الواسع الذي يشمل كلَّ ما يتصل بالله سبحانه وتعالى، في وجوده وتوحيده، وكلَّ ما يتصل بوحيه وما إلى ذلك، أو بالآيات القرآنية في دلالاتها الخلفية عن عظمة الله سبحانه وتعالى، إنه يقول إن المشكلة عند هؤلاء أنّهم يدخلون في جدال من دون أية حجة، {بغير سلطان أتاهم} والمقصود من السلطان هنا البرهان الذي يؤكد الفكرة، هؤلاء لا ينطلقون من عملية فكر مضادّ يملكونه وحجة يواجهون بها الحجة التي يقدمها الرسول(ص)، ولكنهم ينطلقون من حالة نفسية، فهم درجوا على مفاهيم معينة وعلى عقائد معينة، ولذلك فإنهم يجدون أنفسهم ملتزمين بها لأنها تراث آبائهم وتراث أجدادهم، أو لأنها بدأت تمثِّل في عمقها في نفوسهم جزءاً من ذاتياتهم وجزءاً من أوضاعهم الثقافية والاجتماعية.
لذلك فإنَّ هذه الكبرياء الذاتيّة في الالتزام بما فكّروا به أو اعتقدوه أو ما ساروا عليه من عادات وتقاليد وما إلى ذلك من موروثات الآباء والأجداد، تجعلهم يشعرون بأنَّ تنازلهم عنها أمام الحجج والبراهين التي تقدمها الرسالة إليهم هو تنازل عن الذات، وتنازل عن الموقع وإسقاط للعنفوان. ولذلك فإنَّ الكبرياء تمنعهم من ذلك، فيحاولون تغطية هذه الكبرياء الجاهليّة المتخلّفة، عبر هذا الجدال العقيم الذي لا يرتكز على حجة هنا وهناك، ولن يبلغوا بهذا شيئاً، لأنَّ ذلك لا يستطيع أن يؤكد هذه الأفكار في الواقع العام، مما يستمع الناس إليهم منه، أو من خلال تعمّقه في ذاتهم، لأن المسألة أن كل إنسان إذا قدَّمت إليه الحقيقة مزوَّدة بالبراهين التي تدعمها وتؤكدها، فإنهم يقتنعون بها، ولكن الكبرياء تمنعهم من ذلك. كما ورد في بعض الآيات: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}(النمل/14)، أي إنهم عاشوا حالة اليقين من خلال ما قدِّم إليهم من براهين وحجج، ولكنَّهم جحدوا بها من خلال الكبرياء.
والله تعالى أراد أن يبيّن لهم أن الحقيقة واضحة بالنسبة له، لأنه لو فرضنا أنهم واجهوا الحقيقة، فإنهم يرون السموات والأرض ويرون خلق الناس، وإذا كانوا يعتبرون خلق النَّاس هو المظهر الذي يستغرقون فيه من دون أن يفهموا دلالاته على عظمة الله تعالى، فإن عليهم أن يتطلّعوا إلى السموات والأرض وكلّ ما فيها من ظواهر كونية وكل ما فيها من مخلوقات هنا وهناك {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
ثم نلاحظ أنهم كانوا يناقشون ويجادلون في بعض الأحكام الشرعية، وربما لا يزال البعض يجادلون في ذلك، كقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنَّكم لمشركون}(الأنعام/121)، نحن نعرف أنَّ الإسلام أكَّد في قضية الذبح أن يذكر اسم الله تعالى كشرط في حلّية: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه...}(الأنعام/118) {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}(الأنعام/121)، وهذا أمرٌ معروف في الشريعة الإسلامية، بنصِّ القرآن وبنص السنّة النبويّة الشريفة، في مقابل ما كان الجاهليون يمارسونه، حيث كانوا يذبحون ويذكرون اسم الصنم، أو بوسائل أخرى لا يذكر فيها اسم الله.
هنا كان المشركون يدخلون في جدال من خلال إيحاءات الشيطان الذي انحرف بهم عن الخطِّ المستقيم، وأبعدهم عن توحيد الله تعالى، وعن الإيمان برسالته وبوحيه، فكانوا يجادلون أوَّلاً من ناحية أنهم يعتبرون أنه لا بدَّ من ذكر اسم الأصنام على ما يذبح، وأنّه لا فرق بين الذبح على اسم الصنم أو اسم الله. وهذا ما نلاحظه في أيامنا، عندما يدخل البعض في جدال حول مسألة الذبيحة، حيث يقولون إنّ الذبيحة هي ذبيحة، سواء ذكرنا اسم الله عليها أو لم نذكر، فالأمر لا يختلف، فاسم الله لا يمثِّل عنصراً مادياً تنقص الذبيحة من ناحية خصائصها وعناصرها إذا لم يذكر، أو تكمل أو تزيد إذا ذكر. ولكن المسألة هي أن الله سبحانه وتعالى يعتبر أنه لا بدَّ في إزهاق روح الحيوان، من أن يرتبط بالله سبحانه وتعالى.
فعندما نريد أن نذبح الحيوانات، وهي خلق الله سبحانه وتعالى، فلا بد من أن يكون ذلك باسم الله، فاسم الله الذي يذكر عند الذبح هو بمثابة طلب الحلّية على هذا العمل، فيكون ذبحها وإزهاق روحها باسم الله، لأن الله هو الذي أباح لنا ذلك، وهو الذي رخَّص لنا ذلك، فالمسألة فيها جانب روحي يربط المسألة بالله، لأن الله هو الذي يبيح للإنسان أن يزهق روح الحيوان، وأن يأكله وما إلى ذلك.
وهكذا نرى أن الجدال كان يتنوَّع، سواء من أجل إيجاد وضع حول النبي(ص) وحول حركة الرسالة، مما يشغل الجو عما يريد النبي(ص) أن يبلّغه، أو من خلال إثارة الشك والشبهة حول مسألة هنا ومسألة هناك...
غدآ تتفتح الزهور
غدآ تتفتح الزهور

عدد المساهمات : 940
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 05/01/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى