MAFFIA
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجدال الدفاعي

اذهب الى الأسفل

الجدال الدفاعي Empty الجدال الدفاعي

مُساهمة  غدآ تتفتح الزهور الخميس يناير 20, 2011 3:48 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع أنبياء الله والمرسلين، السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
الجدال هو حوار مع الآخرين في ما اختلفوا فيه من فكرٍ أو من أمور الواقع أو ما إلى ذلك، مما يحتاج فيه إلى التفاهم ليفهم كلُّ شخصٍ ما يقتنع به الآخر أو ما يعيشه الآخر، أو من أجل الوصول إلى قاعدة مشتركة بين الفرقاء المختلفين.
هذا الجدال تحدَّث عنه القرآن في أكثر من آية، واعتبر أن الأسلوب الأفضل والكلمة الأحسن والمناخ الأفضل، هو الطابع الذي ينبغي أن يحكم الجدال بين الناس المختلفين أو المتخاصمين، وقد تحدَّثنا بعض الحديث عن ذلك، وهناك بعض الآيات التي تتعرض للجدال في مقام الدفاع عن الآخرين، لأننا نعرف أن الناس يختلفون في انتماءاتهم، سواء كانت الانتماءات انتماءات دينية، بحيث ينتمي كل شخص إلى دين يختلف عن الدين الذي ينتمي إليه الآخر، أو انتماءات سياسية مما استحدثه الناس من الخطوط السياسية التي تحوَّلت إلى أحزاب ومنظّمات وما إلى ذلك، أو انتماءات شخصية، بحيث ينتمي شخص إلى زعامة معينة، سواء كانت زعامة اجتماعية أو دينية أو سياسية، وينتمي الآخر إلى زعامة أخرى.
هنا نلاحظ أنَّ الناس يعملون على أساس الدفاع عمَّا ينتمون إليه من خط، أو عمَّن ينتمون إليه من شخص أو جماعة، ففي الإسلام، لا بدَّ لك من أن تدافع عن الإنسان الذي يرتكز واقعه في فكره أو في عمله على الحقّ، لأنك عندما تدافع عنه وهو ممن يلتزمون الحق، فأنت تدافع عن الحق، والله تعالى يريد للإنسان أن يدافع عن الحق، لأنّ الله تعالى يريد للحق أن يُتَّبع وأن يتثبت وأن يتحرك في حياة الناس، أما إذا كان هذا الإنسان الذي تنتمي إليه أو الخط الذي تنتمي إليه من الباطل، فلا يجوز لك أن تدافع عنه، لأنك بذلك تقوِّي الباطل أو تقوِّي الجريمة في ما إذا كان الإنسان مجرماً، أو تقوِّي الفساد في ما إذا كان هذا الإنسان مفسداً.
وبذلك فأنت تنصر الباطل على الحق، وتنصر الفساد على الصلاح، وتنصر الشر على الخير، وتنصر الجريمة على البراءة، وهذا أمر على خلاف ما أراده الله سبحانه وتعالى الذي خلق الكون بالحق، وهذا ما عبر عنه الله تعالى عن السموات والأرض: {ما خلقناهما إلا بالحق}(الدخان/39). فالحق، سواء كان في العقيدة أو في الشريعة أو في الممارسة، هو ما أراد الله للكون أن يرتكز عليه، كما أن الله ركَّز الوجود الكوني على الحق، فما من ظاهرة كونية إلا وترتكز على الحق، وهو السر أو القانون الذي بنيت عليه هذه الظاهرة أو تحرَّكت فيه.
كذلك يريد الله تعالى للذين يعيشون في السموات والأرض، سواء كانوا من الملائكة أو من الجن أو من الإنس، أن يتحركوا على أساس الحق، وعلى ضوء هذا، فقد عالج القرآن الكريم بعض هذه النماذج، وذلك في قوله تعالى: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إنَّ الله لا يحبُّ من كان خوَّاناً أثيماً}(النساء/107)، الذي يختان نفسه هو الذي يخون نفسه بتوجيهها في القضايا أو الخطوط التي تؤدي بها إلى الهلاك، لأن الإنسان الذي يخلص لنفسه ويعدل معها في ما يعتقد وفي ما يتحرّك، يقود نفسه إلى ما فيه نجاتها من الهلاك ونجاحها في حركة التجربة.
أمَّا الإنسان الذي يقودُ نفسَهُ إلى ما فيه ضررها وهلاكها، فإنه يخون نفسه، وأيّة خيانةٍ للنفس أعظم من أن تسير بنفسك إلى ما يؤدِّي إلى غضب ربك وإلى سخطه وإلى دخولك في النار من خلال ذلك، ولذلك عبَّر بقوله: {ولا تجادل}، أي لا تدافع، لا تدخل في عملية دفاع عن الشخص الذي يختان نفسه بما يقوم به من أعمال خبيثة أو أعمال في مستوى الجريمة أو في مستوى الباطل أو ما إلى ذلك، {إن الله لا يحبُّ من كان خوّاناً أثيماً}، الله تعالى لا يحبُّ هؤلاء الخونة الذين يرتكبون الإثم، فإذا كان الله لا يحبُّ هؤلاء، فكيف تدافع عمَّن لا يحبهم الله؟ والله تعالى عندما يتحدث ويقول إني لا أحبُّ شخصاً، فمعنى ذلك أنّه يبغضه، إذ لا يوجد عند الله وسط بين الحبّ والبغض، فإذا ما أطاع الإنسان الله فإن الله يحبه، وإذا ما عصى الله فالله يبغضه.
هذه الآية أساساً هي جزء من فصل من آيات سورة النساء التي نزلت في قضية حدثت في زمان النبي(ص)، وهي أنَّ شخصاً من المسلمين سرق، واجتمعت عشيرته لتدافع عنه، ولتخطِّط من أجل أن تبعد هذه التهمة عنه وتلصقها بشخص يهودي، فجمعوا الشهود والقرائن التي تدين اليهودي وتبرئ السارق الحقيقي المسلم، وقد جمعوا لذلك شيوخ العشيرة من أجل أن يقنعوا الرسول ببراءة المسلم، والنبي(ص) كان يقول: «إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»، أي أنا عندما أقضي فإنّي لا أقضي بعلم الغيب، ولا أقضي من جهة الوحي، بل بما يقدّمه الناس لي من بيّنات وإثباتات أحكم من خلالها، ولذلك يقول: «وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيّما رجلٍ قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار»، فإذا أتيتم ببيّنات وإثباتات على غير الحق، فأنا ليس عندي علم الغيب لأحكم على أساس ذلك، كي لا تقولوا بعد ذلك إن النبي حكم لنا أو علينا، فأنا لم أحكم بعلم الغيب، بل حكمت بحسب الإثباتات، فإذا كانت الإثباتات خطأً فأنتم من يتحمّل مسؤولية الخطأ، إذا أكدتم أنتم الإثباتات بالباطل، فأنا بذلك كأني أقطع لكم قطعة من النار تحرقكم، لأنكم كذبتم في هذه الإثباتات.
هذه نقطة ينبغي أن نلتفت إليها، عندما ندعى إلى الشهادة في كثير من الحالات. أليس بعض الناس عندما يحتاج إلى شاهد يأتي إلى صاحبه ويقول الصديق وقت الضيق، القاضي يريد مني شهوداً، تعال واشهد لي فأنت صديقي والصديق وقت الضيق، ولكن هو لا يدري عاقبة هذا الفعل الذي حذَّر منه تعالى بقوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}(الحج/30)، وهذا اليمين الكاذب الذي يحلف به الإنسان في مقام الشهادة، يعرِّضه للبلاء في الدنيا قبل الآخرة في هذا المجال.
وبالعودة إلى المسألة، تجمَّع هؤلاء الناس على أساس أن النبي (ص) يثق بهم، وتضافرت الإثباتات ضدّ اليهودي، ولكنّ الله تعالى أراد أن يبين للنبي(ص) الأمر في هذه القضية الحسّاسة، لأنه إذا حكم على اليهودي، فسيقول اليهودي انظروا هذا نبي ويحكم بالباطل، لأن اليهودي بريء، فالله أنزل هذه الآيات ليبرّئ اليهودي، وليثبت التهمة على المسلم، فهنا انطلقت الآيات وقال الله تعالى: {ولا تجادل _ لا تدافع _ عن الذين يختانون أنفسهم _ وهم الذين كان السارق منهم وحاولوا أن يدافعوا عنه _ إنَّ الله لا يحبُّ من كان خوّاناً أثيماً}.
ثم إنّ الله تعالى يبين حقيقة هؤلاء الناس الذين يجتمعون في الليل ويتآمرون ويقفلون الأبواب حتى لا يطَّلع أحدٌ على مؤامراتهم، فيقول سبحانه: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول}(النساء/108}، أي أنهم يجتمعون في الليل ليتفاهموا على أساس كيف يتكلّمون وكيف يشهدون وكيف يذهبون عند الصباح إلى النبي(ص)، {وكان الله بما يعملون محيطاً}، ومن المفروض أن هؤلاء الناس مسلمون يطيعون الله ولا يعصونه، إذا بهم يجادلون عن اللّصوص والسارقين، لذلك يقول الله لهم: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة}(النساء/109)، فهناك حسابان؛ قضاء الناس، وقضاء الله، هؤلاء عندما يقفون غداً أمام الله، فهل يستطيعون الدفاع عنهم أمام الله الذي {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}(غافر/19)، هل يستطيعون أن يستخفوا من الله، {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة}(المجادلة/7).
{ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً} فمن يكون محامياً يتوكّلهم يوم القيامة. ثم إنّ الله تعالى يبيِّن هذه الخصوصية التي قد تحدث عند كثير من الناس، فقد يقتل إنسان شخصاً ويتّهم شخصاً آخر، محاولاً الاستفادة من هشاشة القانون أو من الظروف السياسية التي تحيط به، يقول تعالى: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثم يرم به بريئاً}، يعني حتى يبرّئ نفسه ويجرم الشخص البريء، {فقد احتمل بهتاناً}، البهتان هو أن تنسب إلى شخصٍ ما لم يفعله، وهذا البهتان أعظم من الغيبة، {وإثماً مبيناً}(النساء/112) يعني خطيئة ومعصية واضحة.
هذه المسألة التي تعالجها هذه الآيات، قد نجدها متمثّلةً في الكثير من الأوضاع التي نجدها أوَّلاً في المحاماة، ونحن نعرف أن المحاماة أصبحت مهنة من المهن التي يعتاش من خلالها المحامي الذي يتقدَّم إليه الناس في دعاواهم، كل دعاواهم، سواء في الأحوال الشخصية أو في المعاملات المالية أو في الجنايات والجرائم وما إلى ذلك، فالمحامي قد يدرس المسألة، فيجد أنه قادر على أن يدافع عن شخص مجرم ويحصل من خلال هذا الدفاع على مالٍ وغيره، ولا سيّما إذا كان هذا المجرم من الشخصيات السياسية أو الاجتماعية، فيكون هذا جدالاً عن الذين يختانون أنفسهم بالجريمة أو بالخيانة أو ما إلى ذلك، ولا يجوز للمحامي من النّاحية الشرعية أن يدافع عن شخصٍ مجرم أو عن شخص خائن أو أن يدافع أيضاً عن شخص عليه مال لشخص آخر ليبرئه من هذا المال، بحيث ينـزع الحق عن صاحب الحق لمصلحة الغاصب أو ما إلى ذلك، فالمال الذي يأخذه المحامي حرام، لأنه أخذ مالاً على أمر حرام، كما يأخذ الشخص المال على بيع الخمر مثلاً، بل هذا أعظم من بيع الخمر، لأن هذا يجعل المجتمع يبرئ المجرمين والخونة والذين يأكلون أموال الناس بالباطل.
وهكذا بالنسبة إلى الأشخاص المتعصبين حزبياً، أو المتعصّبين لجهة معيّنة، فقد يقوم الحزب أو الحركة أو التنظيم المعيَّن بعملٍ غير مشروع، فينطلق هذا الشخص من خلال عصبّيته لحزبه أو لحركته أو لمنظمّته ليدافع عن هذا الخطأ أو هذا الانحراف أو هذه الجريمة. مثلاً قد يحدث أنَّ شخصاً من حزب معين أو حركة معينة يقتل شخصاً، فيندفعون حتى يبرّئوا هذا الشخص القاتلـ لأن القاتل من جماعتهم والقتيل من الجماعة الأخرى. فهذه الأمور تحصل، كذلك عند الطوائف، لنفرض أن شخصاً شيعياً مثلاً قتل شخصاً سنياً بدون حق، أو أنّ شخصاً مسلماً قتل شخصاً مسيحياً أو مسيحياً قتل مسلماً بدون حق، تأتي طائفته وتحاول أن تبرئ ابنها حتى ولو كان ظالماً، وكان ابن الطائفة الأخرى مظلوماً.
وقد ذكرنا أكثر من مرة أن العدل لا دين له والظلم لا دين له، يعني علينا أن نكون ضد الظالم حتى ولو كان مسلماً، ومع المظلوم حتى ولو كان كافراً، لا يصحّ أن نقول هذا من جماعتنا ويجب أن ندافع عنه وذاك من جماعة أخرى، ولا ينبغي أن يقتصوا من ابن جماعتنا، الله تعالى يقول: {كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}(النساء/135) {ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا}(المائدة/8) حتى مع أعدائكم، وهذا ما بيّناه في أحاديث كثيرة، ففي الخطّ الإسلامي، يمنعنا الله تعالى من أن ندافع عن الخطأ وعن الخطيئة وعن الجريمة وعن الخيانة وعن الانحراف، لأنَّ الدفاع عن هذه الأمور يعني الدفاع عن الباطل، فيكون ذلك إضعافاً للحقّ وتقويةً للباطل، والله سبحانه وتعالى ردَّ على ذلك في قوله تعالى: {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق}(غافر/5)، أي إن بعض الناس يجادلون بمعلومات باطلة حتى يسقطوا الحق، وهذا من قبيل: جادل عن المجرم لتسقط حق البريء، حق الشخص الآخر الذي وقعت عليه الجريمة.
لذلك لا بد أن نربي أنفسنا على مسألة العدل، لأن القضية ليست أني أدافع عن صاحبي أو عن قريبـي أو عن صديقي أو عن ابن حزبي أو منظمتي أو حركتي أو ما إلى ذلك. عندما تريد أن تدافع اذكر الله تعالى، لأنّك تستطيع أن تختبئ من الناس، ولكنّك لا تستطيع أن تختبئ من الله {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً}، ثم إنّ الله تعالى يقول لكل المدافعين عن المجرمين وعن الخيانة: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} كيف تجادل عنهم، هل تقول لله تعالى إنّ فلاناً لم يكن مجرماً ولم يكن خائناً ومنحرفاً، {أم من يكون عليهم وكيلاً}.
لذلك علينا أن نبني أنفسنا وجدالنا ودفاعاتنا على أساس الحق، وهذا ما ينبغي أن نربي أولادنا عليه، لأن المجتمعات إنما تستقيم وتقوى وتثبت بهذه الطريقة وهذا الأسلوب، ولذا على الإنسان أن يحبَّ قومه كما ورد في كلام للإمام زين العابدين(ع)، أن يحب قومه ولكن أن لا يعين قومه على الظلم.
غدآ تتفتح الزهور
غدآ تتفتح الزهور

عدد المساهمات : 940
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 05/01/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى