MAFFIA
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

معركة أُحد: بين تخطيط الرسول (ص) وحركة النفاق

اذهب الى الأسفل

معركة أُحد: بين تخطيط الرسول (ص) وحركة النفاق Empty معركة أُحد: بين تخطيط الرسول (ص) وحركة النفاق

مُساهمة  غدآ تتفتح الزهور الخميس يناير 20, 2011 5:46 am

كانت واقعة أُحد من أهمّ الوقائع الإسلاميّة الحربيّة التي عاش المسلمون فيها، بدايةً، حالة النّصر كأفضل ما يكون، ثُمَّ حوّلوها إلى هزيمةٍ منكرةٍ بفعل الممارسات الخاطئة التي انحرف فيها الكثيرون من المقاتلين عن الهدف الذي كان يفرض عليهم الانضباط في ما تقتضيه خطّة الحرب من مواقع ومواقف. وفي هذه المعركة، انطلقت قريش إلى حرب النبيّ(ص) بعد هزيمتها السّاحقة في بدر من أجل الثّأر لكرامتها وقتلاها، والقضاء على قوّة الإسلام المتنامية المتصاعدة في بداياتها. وعندما عرف النبيّ(ص) بالخبر، استعدّ لقتالهم وخرج في ألف مقاتل، ولكنّ عبد اللّه بن أُبَي، رأس المنافقين في المدينة، استطاع ـ حسب رأي المؤرّخين ـ أن يدفع ثلاثمائة منهم إلى التّراجع، وحاول ذلك مع حيّين من الأنصار، وهما بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، فلم يفلح بعد أن كاد يصل إلى خطّته. ورسم النبيّ(ص) الخطّة للمعركة، وكان من ضروراتها سدّ بعض الثّغرات التي تطلّ على أرض المعركة مما يعتبر نقطة ضعف في دفاعات المسلمين، فجعل على تلك الثّغرة الواقعة في جبل أحد خلف جيش المسلمين خمسين من الرّماة، بقيادة عبد اللّه بن جبير، وأمرهم بالثبات في كلّ الحالات، سواء كانت الغلبة للمسلمين أو للكافرين، ودارت المعركة التي تروي تفاصيلها كتب السّيرة، وهُزِمَ المشركون وتغلّب المسلمون عليهم، واندفعوا في جمع الغنائم، واعتبر الرّماة الواقفون على الجبل أنَّ المعركة انتهت، وخافوا أن تفوتهم فرصة الحصول على نصيبهم من الغنائم، وبدؤوا يخلون أماكنهم، وناشدهم قائدهم أن يلتزموا بأوامر النبيّ(ص)، فلم يسمع له إلاَّ عشرة رجال منهم. وحانت من خالد بن الوليد التفاتة، وكان من المنهزمين مع المشركين، فرأى خلوّ الثّغرة، فقصدهم بكتيبةٍ من المشركين، فقتل العشرة بأجمعهم، وانضمّت فلول المشركين إلى خالد، فانطلقوا في عمليّة التفافٍ مباغتة، فدارت الدّائرة على المسلمين حتّى تعرّضت حياة الرّسول(ص) للخطر، إذ أصابته حجارة من المشركين، فكُسرت رباعيّته، وشُجّ في وجهه، وجُرحت جبهته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجهه. وفرّ المسلمون عنه، ولـم يبقَ معه إلاَّ نفر قليل كان في طليعتهم عليّ بن أبي طالب(ع)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، فدافعوا عنه دفاع المستميت. وقتل حمزة في المعركة بحربة وحشي، وذلك بإغراء هند له، واستخرجت كبده فلاكتها. وكان عدد القتلى من المشركين اثنين وعشرين قتيلاً، وعدد شهداء المسلمين سبعين. وقد تحدّث القرآن الكريم عمّا أصاب المسلمين من حزنٍ وضعفٍ نتيجة هذه المعركة، فخاطبهم بالقول: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إن يمسَسكُم قرحٌ فقد مسَّ القومَ قرحٌ مثلُهُ وتلك الأيَّام نداولها بين النَّاس وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وليُمحِّص اللّه الذين آمنوا ويمحَقَ الكافرين * أم حسِبتم أن تدخُلُوا الجنَّة ولمّا يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصَّابرين * ولقد كنتم تَمَنَّونَ الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}آل عمران[139- 143]. فقد أثارت هذه الآيات في وعي المسلمين، الكثير من المفاهيم الإسلاميّة المتعلّقة بحركة المعركة ومقع القيادة في خط السير ومدى تأثير وجودها وغيابها، في موضوع الالتزام بالمسيرة والاستمرار على المبدأ، وتتبّعت خطوات المسلمين في المعركة وهم يتأمّلون ويخافون ويندفعون ويواجهون الأعداء وينهزمون أمامهم، ولاحظت كيف تتحكّم بهم جوانب الضّعف البشريّ، وبثّت فيهم شجاعة المؤمن الّذي يعترف بجوانب الضّعف بصراحةٍ، في محاولةٍ لتحويلها إلى نقاط قوّة بالجهد والإيمان والمعاناة. كما أعطت هذه الآيات درساً عمليّاً في التأكيد على وجود جانب سلبيّ في شخصية الإنسان المسلم، وذلك بالقوّة نفسها التي أكّدت الجانب الإيجابيّ فيها، على أساس الواقعيّة الإنسانيّة في الإنسان، وعدم إغفال الضّعف في التّجربة الحيّة، بحجة أن ذلك يسيئ إلى قداسة التاريخ وعظمة أبطاله، ما يترك انطباعاً سلبياً عند الأجيال المقبلة بفقدان النماذج الكثيرة التي تصلح للقدوة البشرية، فلا يبقى لنا إلاَّ الأنبياء والأولياء الذين يتميزون بميزة العصمة في ملكاتهم وطاقاتهم الروحيّة، الأمر الذي يوحي للأجيال بأنَّ تكليف الأنبياء يختلف عن تكليفهم، فإذا تميّزوا بخُلُقٍ أو عمل، فليس معنى ذلك أنَّ علينا أن نلتزم بهذا الخلق أو ذلك العمل، لأنَّنا لا نملك ما يملكون من طاقات... فلا بُدَّ لنا من تاريخ أبيض ناصع يؤرخ للبطولات البشرية العادية التي تنطلق فيها الإيجابيات بدون سلبيات، لتتصاعد لدينا الثقة بالإمكانيات التي تُكمن في داخل الإنسان العادي للارتفاع إلى المستوى الأعلى... ولكنَّنا نعتقد أنَّ هذه الحجّة لا ترتكز على أساس إسلامي واقعي، وذلك من خلال ملاحظتين: الأولى: إنَّ الفكرة القائلة بأنَّ سيرة الأنبياء والأولياء لا تعتبر أساساً للدعوة إلى القدوة لأنَّهم فوق مستوانا غير صحيحة، لأنَّ الأنبياء في ممارساتهم الروحيّة والعمليّة لا يتحرّكون من مستوى فوق مستوى البشر، بل يعيشون في الحياة بالطاقات البشرية العادية التي تتكامل وتتصاعد بالوعي والمعاناة، وهذا ما أكّده القرآن في أكثر من آية، في حديثه عن بشرية الأنبياء وخطأ العقيدة التي تفرض لهم شيئاً فوق هذا في تكوينهم الذاتي، وفي هذا الاتجاه كانت الدعوة الإلهية إلى التأسي برسول اللّه (ص) في قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب : 21] الثانية: إنَّ قيمة القدوة في التجربة الإنسانية تُكمن في واقعيتها التي توحي بأنَّ الخطأ والانحراف في بعض مراحل العمل، لا يعني سقوط الإنسان ونهايته في حساب العقيدة والمصير، بل يمكن له أن يقوم من سقطته ويصحّح خطأه ويقوِّم انحرافه واعوجاجه، ليستقيم له الطريق نحو الهدف، ما يعني أنَّ على الإنسان السعي الدائب في خطّ التكامل في حالات النقصان وعدم الانسحاق أمام الحالات السلبية... وهذا ما أكده القرآن الكريـم في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[الأعراف : 201] فلا مانع من أن يطوف بك الشَّيطان ـ وأنت تقيّ ـ، لأنَّ المهمّ هو أن لا تظلّ مع الشَّيطان في وحيه وانحرافه؛ وبذلك يكون التاريخ تاريخاً للتجربة الإنسانية الناجحة التي تدفع إلى الأخذ بأسباب النجاح، وتمنعنا من تقديس الأخطاء والخطايا باسم عصمة الخاطئين المخطئين... ما يؤكّد الجوانب الإنسانيّة المتحرّكة في المعركة، ونعتقد أنَّ من واجب الباحثين الإسلاميّين الذين يدرسون طبائع المعارك الإسلاميّة، أن لا يكتفوا بالتاريخ العاديّ الذي يدرس الجوانب الظّاهرة في الحادثة ولا ينفذ إلى تحليل الحالات الإنسانيّة الدّاخليّة في التّجربة، بل عليهم أن يحاولوا الانطلاق من القرآن الذي هو كلام اللّه الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليعرفوا حجم المعركة بأسلوبٍ عميقٍ شامل. في مواجهة حركة النفاق: وتبدأ الآيات بهاتين الآيتين اللتين قدّمناهما أمام الحديث: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران : 121]، لقد بدأ الرَّسول (ص) يدبّر أمر المعركة في بداية النهار، وهو معنى الغدوة الذي يمثِّل الفترة ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس؛ فقد انطلق (ص) لتحديد مواقع المسلمين في المعركة من أجل الإعداد للنصر. وبدأت حركة النفاق تعمل لتخذل المؤمنين وتبعدهم عن المشاركة في القتال من أجل إضعاف الجبهة الإيمانية، كوسيلة من وسائل تقوية خطّ الشرك وسلطته، لأنَّ ذلك هو الذي يمنحهم فرصة استعادة نفوذهم التي فقدوها عند ظهور الإسلام... واستطاعوا أن يزلزلوا بعض النفوس ويضعفوا بعض العزائم... فـ {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ}[آل عمران : 122] وتتراجعا، وقد نلاحظ في هذه الفقرة من الآية، أنَّها لـم تتحدّث عمّا تحدّث به المؤرّخون من انسحاب ثلاثمائة رجل من الذين أعدّهم الرَّسول(ص) للمعركة، ما يوحي بأنَّ ذلك غير صحيح، لأنَّ الآية تحدّثت عن حالة التردّد ومحاولة الانسحاب كظاهرة من ظواهر الضعف الموجودة في المجتمع الإسلامي آنذاك، ولتنبّه المؤمنين إلى مثل هذه الحالة من أجل المستقبل. ولو كان ما نقله المؤرخون صحيحاً، لكان ذلك أشدّ خطورة على المسيرة، وأكثر حاجة للتأكيد عليه، لأنَّه يمثّل حالة التراجع التي تعني الانسحاب من مسؤولية الإيمان بطريقة حاسمة. وهناك ملاحظةٌ أخرى جديرةٌ بالتأمّل، وهي أنَّ التّعبير القرآني عبّر عن الانسحاب بكلمة «الفشل»، ما يوحي بأنَّ الجانب العمليّ من حياة المسلم على درجة كبيرة من الأهمية بالنّسبة إلى إيمان المؤمن؛ فالإيمان الّذي لا يعبّر عن نفسه بالعمل في خطّ الطّاعة هو إيمان فاشل، لأنَّه لـم ينجح في التّجربة المرّة في صراع الإنسان مع الشَّيطان. وهذه نقطة لا بُدَّ من التّركيز عليها في أساليب التّربية، بالإيحاء بأنَّ الإيمان يمرّ في الحياة بتجربة النّجاح والفشل، كما هو الحال في كلّ قضيّة تستتبع المعاناة، ما يرفع من درجة استعداد المؤمن في المجاهدة من أجل الحفاظ على نجاحه في خطّ الإيمان. أمّا كلمة {والله وليّهما}، فتحمل في داخلها تعميق الشّعور عند المؤمن بالرّعاية الإلهيّة له في حالات الضّعف والزّلزال النّفسي النّاتج من الضّغوط الصّعبة المحيطة به، ما يجعله يحسُّ بالأمن والطّمأنينة بحماية اللّه له في أوقات الغفلة. وربَّما كان في التّعبير بكلمة «الوليّ» من الحنان والحميميّة ما يملأ النّفس بأصفى المشاعر وأنقاها وأسماها في علاقة الإنسان باللّه. وقد دعا الله المؤمنين أن يتحرّكوا من فكرة أنّه وليّهم {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، ليتوجّهوا إليه في حالات الضّعف، أو في الأوضاع التي يخافون أن يضعفوا أمامها مستقبلاً، فإنَّ التوكّل على اللّه يمثِّل أرقى أنواع الإيمان، لأنَّه يمثِّل الاستسلام للّه من خلال الثّقة المطلقة به في أوقات الشدّة والرّخاء واليُسر والعُسر، الأمر الّذي يزرع في نفسه الثّقة بالحاضر والمستقبل في كلّ عملٍ من أعمال الدُّنيا والآخرة.
غدآ تتفتح الزهور
غدآ تتفتح الزهور

عدد المساهمات : 940
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 05/01/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى